الجمعة، 16 مارس 2012

الخميس، 15 مارس 2012

بعض ذكرياتي مع أستاذي الطاهر وطار



بعض ذكرياتي مع أستاذي الطاهر وطار

بقلم الروائي محمد مفلاح





في بداية شهر سبتمبر 2010، وجه إليّ الكاتب والإعلامي محمد بغداد دعوة للمشاركة في حصة أعدتها التلفزة الوطنية بمناسبة أربعينية الروائي والقاص الطاهر وطار، فجعلتني هذه المبادرة الطيبة أعيش في عالم الذكريات الجميلة التي جُبلتها علاقة حميمة ظلت تربطني بهذا الإنسان العظيم والمبدع الكبير، بل دفعتني للكتابة عن أستاذي الأول الذي شجعني كثيرا على الكتابة منذ السبعينيات من القرن الماضي، بعدما ألهمتني كتاباته الإبداعية الحماسة للكتابة، وعلمتني عشق الأدب والسفر مع الكلمة وأسرارها. وقد ظل عمي الطاهر يحثني على المطالعة المهنية وتحمل متاعب الكتابة الإبداعية حتى وهو في باريس على فراش المرض ينتظر لحظات الموت القاسي.
لقد ولج الطاهر وطار عالمي الصغير، وأصبح لي اسماً سحرياً يغذي فيّ القلق الوجودي والحلم الجميل، الحلم الذي أغراني بالحياة في عالم الأدب منذ أطلعت على قصصه القصيرة وأنا طالب يتيم الأب بمتوسطة محمد خميستي (فيكتور هيجو سابقا) بمدينة غليزان، وازداد اسم أستاذي  إشراقاً في خيالي بعد صدور رائعته "اللاز"، الرواية المفصلية في تاريخ الأدب الجزائري، التي حرضتني على المغامرة لتجريب كتابة الرواية فكانت "الانفجار" وهي محاولتي الأولى في هذا الجنس الأدبي. أجل..لقد كان لرواية "اللاز" تأثير كبير على كل الكتاّب الذين برزوا في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وهي لا تقل تأثيرا  عن "معطف" غوغول في أدباء روسيا.
أما علاقتي بالكاتب الكبير فكانت بدايتها عن طريق المراسلة منذ كان أستاذي المبدع يشرف على صفحة (دروب القصة) بجريدة الشعب، إذ كنتُ أبعثُ إليه بقصصي البسيطة، وبالرغم من مشاغله الكثيرة كان يهتم بقراءتها ويوجه إلي ملاحظاته القيمة.
ومنذ سنة 1973 شرعتُ بفضل تشجيعه المتواصل، في نشر مقالاتي الأدبية بملحق (الشعب الثقافي)، وكنتُ وقتذاك في سن العشرين أدرّس بمدرسة سعيد زموشي بحي الطوب (غليزان). وكان أستاذي المشرف على هذا المنبر الثقافي الجريء، يُقدم على نشر مقالاتي المتواضعة، ويتابع خطواتي الأولى في الكتابة بل بعث إليّ رسالة مازلت أحتفظ بها إلى حد الآن.. كانت رسالة سحرية أضرمت نيران المغامرة والطموح في قلبي، وبثت في نفسي الثقة والحماسة للسير في درب الكتابة متحدياً كل المتاعب. لقد حثني في تلك الرسالة الرائعة على مواصلة العمل الجاد كما قدم لي ملاحظات ذكية عملتُ بها لتجاوز الأخطاء التي كانت تحويها كتاباتي، ومنها توجيه مطالعتي إلى الكتب العربية بعدما لاحظ بذكائه الحاد، اهتمامي بقراءة الكتب الفرنسية. كما قرر أن يمنحني تشجيعاً مادياً لشراء الكتب كما جاء في رسالته السالفة الذكر.. وكتب لي فيها كلمات مازالت إلى حد الآن تطربني، وتزيدني إعجابا بهذا الإنسان الكريم الذي قال لي: (هذه مدة وأنا أتابع عن كثب تطورك وأعمل ما في وسعي على تشجيعك لما لمسته فيك من مثابرة واجتهاد ولقد سررتُ كثيرا لما تحرزه من تقدم في ميدان المطالعة وتوسيع معلوماتك. هكذا فعلا ينشأ الكاتب.) وأضاف بمحبة كبيرة: (المهم، استمر في "العمل" وحاول في كل مرة إتقانه أكثر، وأنا من جانبي – مادمت في "الشعب الثقافي"- لن أبخل عن تشجيعك، وما أنصحك به خاصة، هو عدم التسرع في الظهور، أظهر بقوة وإن اقتضى ذلك اختفاء قد يبدو ذلك طويلا..)
وعن هذه الفترة الجميلة التي كانت تجمع النخبة الجزائرية في رحاب هيئة تحرير "الشعب الثقافي"، كتب الإعلامي والكاتب بلقاسم بن عبدالله شهادته عن نشاطي في هذا الملحق المتميز، وقال في جريدة "الجزائر نيوز" الآتي: (تجمعني به (ويقصد شخصي) علاقة أدب وكتابة ومحبة منذ سنة 1973، عندما كان يبعث بكتاباته لتنشر بصحيفة "الشعب الثقافي"، التي تشرفتُ أن أكون ضمن هيئة تحريرها إلى جانب الأديب اللامع الطاهر وطار. ولازلت أذكر أول مقالة وصلتني منه، عن رواية "ريح الجنوب" للأديب عبد الحميد بن هدوقة، وقد رشحتها لتنشر بصحيفة الشعب الثقافي بتاريخ 5 أوت 1973، وتوالت مقالاته لتنشر تباعا، وهي قراءات نقدية في بعض الأعمال الأدبية التي صدرت في تلك الفترة.)
ولكن الجهات المتخوفة من تأثير هذا المنبر الثقافي أوقفت سنة 1974 ملحق (الشعب الثقافي) محاولة منع عمي الطاهر وطار من مواصلة جهوده في توجيه الشباب المثقف ولكن هيهات.. فبصدور روايته "اللاز" أثبت للجميع أنه رائد الرواية العربية في الجزائر بدون منازع. ولا أنسى أبدا اليوم الذي نلتُ فيه الجائرة الثانية عن روايتي (الانفجار) بمناسبة الذكرى العشرين لاستقلال الجزائر (سنة 1982) التي ولدت من رحم "اللاز"، وقد عملتُ -فيما بعد- من بعض الأدباء أن عمي الطاهر كان من بين المتحمسين لهذه الرواية التي كتبتُها في ظرف أيام قليلة فقط على آلة راقية محمولة، ولكن أديبنا الكبير لم يذكر لي دوره في تلك الجائزة التي أسهمت في انتشار اسمي بين أدباء الجزائر.
وفي يوم 24 مارس 1984، أرسل إليّ رسالة رقيقة لم يخف فيها إعجابه بروايتي الثانية الموسومة (الانهيار) بعد اطلاعه عليها بصفته عضوا في لجنة القراءة بالمؤسسة الوطنية الكتاب، وقال لي فيها: (إن مفلاح الذي عرفته يتعثر في اللغة والتعبير تغير فعلاً متطوراً نحو الإيجابي، وكم أنا مسرور بذلك. روايتك أعجبتني من حيث البناء الذي امتلكته كما ينبغي، ومن حيث وحدة الموضوع وتسلسل الحدث "وإن كان ذلك إلى حد كبير كلاسيكيا"، إنك روائي بحق تمتلك الأداة..)
يا الهي.. عبارته السحرية "إنك روائي" هزتني بقوة، ومنحتني طاقة لا مثيل على مواجهة معاناة الكتابة ومواصلة المسيرة المتعبة مهما كلفتني من تضحيات. وهكذا كان أستاذنا الكبير يشجع شابا لا نفوذ له، ولا علاقات له في الوسط الثقافي أو في مؤسسة النشر ووسائل الإعلام الوطنية..  حقا. لقد شعرتُ وقتذاك بالثقة في نفسي، وبسعادة لا يمكنني وصف لحظاتها الجميلة التي جعلتني أثق في نفسي أكثر، وأصر على المغامرة أكثر في عالم الكتابة الإبداعية. وظل أستاذي طوال حياته يرعى موهبتي كما كان يشجع كل الأقلام الشابة ويتابع تطورها حتى تنضج وتشرع في العطاء.
وفي سنة 1989 والجزائر تعيش مخاض عهد التعددية، وجه إلي دعوة للمشاركة في تأسيس جمعية الجاحظية، فاتصلتُ به للتعبير عن موافقتي وطلبت منه أن يكون على رأسها لأنني رأيتُ في مبادرته تضحية منه في تنشيط الحياة الثقافية الراكدة ورعاية المواهب، ولكن مسؤولياتي في النقابية وقتذاك وظروف مرحلة "ما بعد أكتوبر 1988" التي شهدت إضرابات عمالية عنيفة منعتني من حضور الجمعية التأسيسية، غير أنني كنتُ من المساندين لكل أعمال هذه الجمعية الثقافية التي رفعت شعار (لا إكراه في الرأي) وعملت على لم شمل المثقفين معربين ومفرنسين تحت سقط الفكر الجاحظي المتسامح، وقامت بعمل جبار فأصدرت العديد من إبداعات الشباب، إلى جانب مساهمتها القوية في تنشيط المشهد الثقافي لمدة ثلاثة عقود رغم كل الظروف الصعبة التي عاشتها البلاد.
ولما انتخبتُ سنة 1997 نائباً عن ولاية غليزان، زرتُ مقر جمعية الجاحظية فوجدتُ عمي الطاهر في مكتبه رفقة صديقي الأديب الجيلالي خلاص، وأتذكر أن الحديث دار بيننا حول علاقة الكتابة بالسياسة، فقال لي الطاهر وطار ناصحا: (لا تنس الكتابة.) وتكلم عن تجربته السياسية ونضاله الطويل منذ التحاقه بالثورة التحريرية، ومع ذلك ظل وفيا للأدب رغم مسؤوليته المهنية.
وخلال السنوات العشر (من 1997 إلى 2007) التي قضيتُها مترددا بين مدينتي: غليزان والجزائر العاصمة في إطار مهامي العامة، كنتُ أزور باستمرار مقر جمعية الجاحطية، وكان عمي الطاهر كعادته يستقبلني ببشاشة داخل صالونه المتواضع، ويطلب من العامل سي محمد أن يقدم لي شاياً بالنعناع وهو يردد بمرح: "تهلا في الأستاذ.. جانا من غليزان." ثم يجري كلامنا عن القضايا الثقافية والسياسية.. كان الرجل مهتما كثيرا بالشأن العام ورجال السياسة، ولا يقف على الحياد عندما يقتضي الأمر اتخاذ موقف حاسم وصارم من بعض القضايا الشائكة أو الحيوية، ومنها قضية اللغة العربية التي كان يدافع عنها بحماس كبير. وقد أمضيتُ معه لائحة تحدى فيها كل القوى الساعية إلى وأد اللغة العربية في عقر دارها. وأديبنا المقدام لم يكن معاديا للغة الفرنسية كما يعتقد بعض خصومه المعرضين، ولكنه كان عدوا لدودا "لللوبي الفرنكوفيلي" ونشاطه الهدام، وظل يرى أنه لوبي خطير يعمل على بسط نفوذ الفرنسية وهيمنتها في دولة ذات الروح العربية الإسلامية العريقة.
كما كان يحدثني عن قراءته "المهنية" لبعض الروايات، وذكر لي منها روايات إبراهيم الكوني، ورواية "عشاق بيّة" للروائي التونسي الحبيب السلامي. ونصحني بالقراءة المتأنية التي تساعد الأديب على ولوج عوالم الأدباء المهمين فقط. وحين تفطن لاهتمامي بالتراث الشعبي والتاريخ الجزائري، ثم علم بكتاباتي في هذا المجال وبخاصة بأبحاثي عن منطقة غليزان، أصبح يحدثني عن أفكار ومواقف العلامة ابن خلدون وبعض المؤرخين والكتاب المهتمين بتاريخ الجزائر القديم، وبخاصة عن عهود الدول الإسلامية التي عرفها المغرب الأوسط (الجزائر) وتاريخ العهد العثماني. وكان يصغي إليّ حين أستعرض أمامه معلوماتي عن قبائل الغرب الجزائري سواء منها القبائل العربية المتفرعة عن بني هلال كقبائل فليتة ومجاهر وبني عامر، أو القبائل الأمازيغية مثل هوارة، ومغراوة، وبني راشد، وبني توجين.. ثم كان يعلق على الأحداث التاريخية ويربطها ربطاً ذكياً بواقع مجتمعنا المعاصر المتأزم، فكان الرجل يقرأ الحاضر وتحولاته في ضوء التاريخ الذي مازال في أمس الحاجة إلى جهود الباحثين والمبدعين. وكان محبا للتراث والفن الشعبي، ويعبر لي صراحة عن إعجابه بشيوخ الأغنية البدوية الوهرانية ورواد الفن الشاوي منهم حمادة، والمدني، والرميتي، وبقار حدة، وعيسى الجرموني.             
ولما كنتُ أهدي إليه رواياتي وأبحاثي التاريخية التي أنجزتهُا في بداية هذا القرن ومنها "الوساوس الغريبة"، و"الكافية والوشام" و"أعلام من منطقة غليزان"، كان يقول لي: "يا مفلاح.. هذه الأعمال لمكتبة الجاحظية.. فلا تنس مكتبتي الشخصية." أجل.. لم ينس لحظة واحدة خدمة الجمعية التي يرعاها بمحبته وأعصابه ويسهر على مكتبتها التي تحمل اسم "يوسف السبتي" صديقه الأديب المغتال، حتى وفته المنية.
وكان عمي الطاهر جدياً في تعامله مع كل ضيوفه وزواره، لذلك عرف بصراحته وجرأته الصادمة أحياناً لبعض المثقفين ولكنه كان صادقاً في كلامه وطرح آرائه، لا تخيفه لومة لائم. وكان يعرف جيدا انتمائي إلى حزب جبهة التحرير الوطني ودفاعي عن برنامجه، ورغم ذلك لا يخفي أمامي مساندته لبعض القضايا التي كان يتبناها حزب العمال، بل كان يصرح بها أمام الملأ وقد نقلت بعض الجرائد مواقفه الجريئة.                     
ومن بين مبادراته الإنسانية التي كنتُ شاهدا عليها بمقر جمعية الجاحطية، أذكر إعلانه عن تأسيس جائزة (الهاشمي سعيداني) من ماله الخاص الذي تحصل عليه سنة 2005  بعد نيله جائزة الشارقة لخدمة الثقافة العربية.. يا لك من رجل كريم شهم وشجاع، لم تنس كاتباً مبدعاً من مدينة باتنة غادر الحياة الفانية دون أن ينال حظاً من اهتمام وتكريم المؤسسات المعنية بالثقافة. وقد استغل عمي الطاهر هذه المناسبة للحديث عن الضيم الذي تعرض له حين أحيل إلى التقاعد وهو في الثامنة والأربعين سنة من عمره. لقد أرغم على التقاعد حتى يُبعد عن الحياة السياسية ولا يفكر في كتابة قصص تشبه قصة (الزنجية والضابط).. وقد أعترف أمام المثقفين والصحافيين الحاضرين بلحظات الضعف التي انتابته وقتذاك، وقد راودته أفكار رهيبة غريبة مدمرة كادت تقضي عليه، ولكنه تجاوزها بفضل إرادته الفولاذية وإصراره العجيب على تحدي القوى الراغبة في إسكات الصوت الجريء. وعاد للإبداع والكتابة، وللحياة العامة وصخبها السياسي.         
وتأثرتُ كثيرا حين سمعتُ بمرض عمي الطاهر، ولما انتقل إلى باريس للعلاج. كنتُ أتصل به هاتفيا وأسأل عن حالته الصحية، فكان الرجل الشجاع لا يتحدث كثيرا عن مرضه بل كان يسأل عن الحياة الثقافية، ثم يحدثني عن مشاريعه الثقافية كما كان يتابع كل نشاطات جمعية الجاحظية، وأفضى لي يوما بسر انهماكه في كتابة رواية جديدة نشرت في جريدة (الشروق) تحت عنوان (قصيد في التذلل).. وذكر لي الصعوبات التي كان يواجهها لاستخراج وثائق الإقامة بفرنسا لمتابعة العلاج، ثم قال لي بلهجة ساخرة: "هنا لا يعتبرونني كاتباً." ثم ضحك متهكماً من خصومه.
ولما نال جائزة مؤسسة عويس العربية سنة 2009، هاتفتُه -وهو يعالج بمدينة باريس- لتقديم التهاني، فسر بمكالمتي، وعبر لي عن سعادته بذلك ولكنه لم يخف شعوره بخيبة أمله من بعض المثقفين الذين ساعدهم كثيرا ولكنهم لم يقدموا له التهيئة رغم أن الجائزة هي وسام للجزائر التي أنجبت كاتباً متميزاً أصبحت له شهرة عالمية، ثم كلمني بمحبة عن الكاتب والروائي مرزاق بقطاش الذي سبقني في الاتصال به.
وفي مكالمة هاتفية أخرى، أخبرني أنه رفقة الروائي والأكاديمي الأعرج واسيني، وعبر لي عن فرحته بزيارات الأدباء والصحفيين الجزائريين، وقد سررتُ كثيرا بموقف الأعرج واسيني الذي عاد رائد الرواية العربية بالجزائر المتمدد في فراش المرض منتظراً قدره بصبر كبير.
وأفضيتُ له يوما عبر الهاتف، بالمصيبة التي ألمت بي بعد الحدث المؤلم الذي تعرض له ابني توفيق وقد توفي إثر ذلك، فقال لي عمي الطاهر: "هكذا هي الحياة.. تحمل يا محمد." وتمنى لابني الشفاء العاجل. فعلا.. إن الحياة القاسية التي واجهها أديبنا الكبير مدة سنوات طويلة، عملته أن يتحمل مصائبها، وشعرتُ وقتذاك أن الرجل وهو في لحظات الضعف، قد تعلم من مرضه درساً آخر  لمواجهة مصيره المحتوم، فأصبح في أيامه الأخيرة صبارا.
وكان إعجابي كبيرا بمبادرة (الشروق) التي أوفدت الإعلامي محمد بغالي لزيارته بمدينة باريس، وقد قدم لنا الإعلامي مشاعره وآراءه وانطباعاته عن تك اللحظات الخالدة التي التقى فيها إنسانا عظيما كان في أمس الحاجة إلى مثل تلك الزيارة. ولا يمكنني أن أنسى أيضا التكريم الذي حظي به وأديبنا يتحدى مرضه بكبرياء.  
كان الطاهر وطار مبدعاً كبيراً، ومجاهداً صادقاً، وإعلامياً قديراً، ومناضلا ًشرساً ولكنه تميز عن العديد من الأدباء بشخصيته الفذة. وأعد نفسي من بين الأدباء الذين شملهم الروائي الكبير بمحبته ورعايته. لم يبخل عليّ برعايته حتى في سنواته الأخيرة إذ قدم شهادته التاريخية عن تجربتي الأدبية إذ قبل بفرح دعوة الناشر أحمد ماضي لكتابة كلمة تتصدر رواياتي المنشورة سنة 2007 في إطار "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" فقال عني الآتي: (عندما كنت أتعامل مع جريدة الشعب، في مطلع السبعينيات، وأسندت لي صفحات تهتم بالقصة القصية تحمل عنوان (دروب القصة)، تطورت فيما بعد لتكون "الشعب الثقافي"، وهو ملحق مستقل تصل صفحاته إلى الأربع والعشرين. ومن جملة الشباب الذين يراسلونني محمد مفلاح. وكانت لي طريقة خاصة بي في اكتشاف المواهب تتمثل في مراقبة تعامل الشاب مع الإصلاحات والتصحيحات التي أدخلها على قصته أو مقالته، فإن تفاداها في مستقبل كتاباته، وضعته في خانة المؤمل فيهم، والذين ستزدهر عبقرياتهم، وإلا وضعتهم في خانة الميئوس منهم. محمد مفلاح ألمعى، ذكي صمم أن يرعى موهبته ويضع من نفسه كاتبا محترما.. إني عندما أكتب تقريرا لشركة النشر (سناد) حول عمل ما لمفلاح، أرسل هذا التقرير أولا للكاتب، كي يصحح ويتدارك الهفوات.. إنني أحد الشهود الذين شهدوا ميلاد كاتب اسمه محمد مفلاح.) إنها كلمات أستاذي الأول الذي قدم كثيرا لهذا الوطن، وللعروبة والثقافة الإنسانية.
وصدق الكاتب والروائي أمين الزاوي حين قال إن "رحيل الطاهر وطار يخلف فراغاً ليس في الكتابة، وإنما في الحياة الثقافية."  حقا كان مناضلا من أجل الكتابة والثقافة، لهذا أسس جمعية الجاحظية رافعا شعار (لا إكراه في الرأي)، ولم ينزو على نفسه بعدما أحيل إلى التقاعد وهو في سن العطاء بل تفرغ للكتابة والنشاط الثقافي مشاركاً في كل القضايا الوطنية التي عرفها الوطن وبخاصة في مرحلة ما بعد أكتوبر 1988 وما شهدته من تحولات وفوضى وأزمات  وإرهاب ومصالحة الخ..      
فمن واجبنا اليوم أن نقول كلمة صادقة في حق هذا الإنسان الرائع.. نقولها بعد وفاته، تعبيراً عن محبتنا وحنيننا إلى أيام كان فيها عمي الطاهر عملاقاً في تعامله مع الأحداث التي عرفتها البلاد ومنذ اليوم الذي حمل فيه القلم للدفاع عن رسالته النبيلة في هذه الحياة، وهي رسالة الفقراء والمساكين والحالمين الذين انحاز إلى صفهم في كل الأوقات. نقولها وقد فقدت الساحة الثقافية صوتاً متميزاً استطاع أن يفرض حضور المثقف الإنساني الواعي بواقع وطنه ومصيره في هذا العالم المضطرب.
وبهذه المناسبة نقول لعمي الطاهر نم قرير العين فأنت حي في قلوبنا وفي ضمير هذا الوطن الذي أفنيت كل حياته من أجل تحريره وسؤدده وكتابة أوجاعه وأحلامه.. ولا أحد من المخلصين للكلمة الطيبة ينسى الأديب الذي ملأ الدنيا بإبداعاته الخالدة، وشغل الناس بمواقفه المنحازة للقيم الإنسانية وللمواطنين البسطاء الطامحين في حياة الحرية والعدل.

ورقة تعريفية بالروائي محمد مفلاح

ورقة تعريفية بالروائي والباحث محمد مفلاح

محمد مفلاح روائي وقاص وباحث في التاريخ، من مواليد 28 ديسمبر 1953 بولاية غليزان، أنجز العديد من الأعمال الإبداعية والأبحاث لمتعلقة بتاريخ وتراث منطقة غليزان. وهو اليوم بعد تقاعده، متفرغ للكتابة الإبداعية والبحث في تاريخ منطقة غليزان وتراثها الثقافي.
نشر مقالاته الأولى بالملحق الثقافي لجريدة الشعب، الذي كان يشرف عليه الروائي الطاهر وطار (1973-1976)، كما نشر قصصه الأولى في بداية السبعينيات من القرن الماضي بالجرائد والمجلات الوطنية ومنها (الوحدة، آمال، الجزائرية، النادي الأدبي لجريدة الجمهورية)، وطبعها سنة 1983 تحت عنوان "السائق".
الحركة النقابة: شرع في التدريس منذ سنة 1971  بمدرسة سعيد زموشي (غليزان) ثم بمتوسطة 19 جوان بغليزان، ومارس العمل النقابي منذ 1972 (إذ انتخب أمينا عاما للاتحاد الولائي بغليزان، وعضوا المجلس الوطني (1984- 1990)، ثم انتخب عضوا بالأمانة الوطنية للاتحاد العام للعمال الجزائريين (1990-1994).
البرلمان: برلماني سابق  خلال عهدتين: (عهدة 1997-2002) و(عهدة 2002-2007) وتولى عدة مسؤوليات بالمجلس الشعبي الوطني منها مقرر ثم نائب رئيس المجموعة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني، ونائب رئيس لجنة الثقافة والسياحة والاتصال، ونائب رئيس اللجنة القانونية.
اتحاد الكتاب: انتخب عضوا بالأمانة الوطنية لاتحاد الكتاب الجزائريين (1998-2001)، وأعيد انتخابه عضوا بالمجلس الوطني للاتحاد عام 2001.
مؤلفات الأستاذ محمد مفلاح المنشورة إلى حد الآن :وقد بلغت 24 كتابا، وهي كالآتي:

أولا في  الرواية: كتب أول رواية له وهي (الانفجار) التي نال عنها الجائزة الثانية في مسابقة نظمتها وزارة الثقافة سنة 1982 بمناسبة الذكرى العشرين للاستقلال.
كما كتب عشر روايات هي:
2- هموم الزمن الفلاقي التي نال عنها الجائزة الأولى بمناسبة الذكرى الخمسين للثورة (1984)، 3- زمن العشق والأخطار، 4- بيت الحمراء، 5-الانهيار، 6- خيرة والجبال، 7-الكافية والوشام، 8-الوساوس الغريبة، 9-عائلة من فخار، 10-انكسار، 11-شعلة المايدة (وهي رواية تاريخية عن تحرير مدينة وهران في العهد العثماني)  
ثانيا في القصة: ونشر ثلاث مجاميع  قصصية هي: (السائق) و(أسرار المدينة)، (الكراسي الشرسة) كما نشر ثلاث قصص للأطفال. 
ثالثا في الأبحاث: وأصدر الأديب والباحث محمد مفلاح سبعة كتب في التاريخ والتراجم وهي:
1- (شهادة نقابي) عن الحركة النقابية الجزائرية من 1988 إلى غاية 1990 م.
2- (سيدي الأزرق بلحاج، رائد ثورة 1864 المندلعة بمنطقة غليزان)، وهو أول بحث عن شخصية المجاهد الصوفي سيدي الأزرق بلحاج الذي قاد ثورة انطلقت من تراب ولاية غليزان وقد عمت عدة ولايات.
3-(أعلام منطقة غليزان)، ويشمل تراجم 160 شخصية أنجبتها منطقة غليزان منذ أقدم العهود إلى غاية نهاية القرن التاسع عشر ميلادي. وهي  تراجم لصلحاء، وأدباء وفقهاء، وثوار مقاومين الخ..  
4-(شعراء الملحون بمنطقة غليزان) ويشمل تراجم وقصائد شعراء الملحون من العهد العثماني إلى اليوم.
ونشر العديد من المقالات بالصفحة الثقافية لجريدة الجمهورية (1984-1985)، والقسم الثقافي لجريدة صوت الأحرار (1999-2006)، وأسبوعية المحقق (2007-2008).
5- (غليزان: مقاومات وثورات من1500 إلى 1914م)، ويتطرق إلى أهم المقاومات والثورات التي لم يذكرها المؤرخون.
6- مراكز التعليم العربي الحر في مدينة غليزان من بداية الاحتلال إلى غاية 1830.
7- جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مدينة غليزان من 1931 إلى 1975.
رابعا في التمثيليات الإذاعية: أنجز أكثر من عشر تمثيليات للإذاعة الوطنية (1973- 1978) ومنها: شاعر القرابة، فلسطين الجريحة، أبناء الثورة، الأرملة، فتاة الحاج.. كما ألف سيناريو للتلفزة الجزائرية بعنوان (حانت الساعة).
خامسا في الجرائد: ونشر العديد من المقالات بالصفحة الثقافية لجريدة "الجمهورية" (1984-1985)، والقسم الثقافي لجريدة "صوت الأحرار" (1999-2006)، وأسبوعية "المحقق" (2007-2008).
سادسا في برامج الإذاعة: أسهم في إعداد حصص تاريخية وثقافية لإذاعة غليزان منذ افتتاحها سنة 2005، منها (أعلام غليزان).  

أعمال الأديب والباحث محمد مفلاح المنشورة:
في الرواية:
1- الانفجار، مجلة (آمال) ط1، سنة 1983، المؤسسة الوطنية للكتاب (م.و.ك) ط2، 1984، نالت الجائزة الثانية في الذكرى العشرين للاستقلال الجزائر(سنة 1982). ترجمت إلى اللغة الفرنسية، منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين،(2002).
2- بيت الحمراء، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1986.
3- زمن العشق والأخطار، المؤسسة الوطنية للكتاب،1986.
4- هموم الزمن الفلاقي، مجلة الوحدة، ط1، 1984. نالت الجائزة الأولى في مسابقة الذكرى الثلاثين لاندلاع الثورة (سنة 1984). وصدرت عن المؤسسة الوطنية للكتاب، ط2،1986.
5- الانهيار، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1986.
6- خيرة والجبال، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1988.
7- الكافية والوشام، منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين، ط1، سنة 2002.  وعن دار المعرفة، الجزائر،  ط2، 2009.
8- الوساوس الغريبة، دار الحكمة، 2005.
  - روايات محمد مفلاح: الأعمال غير الكاملة (تضم ست روايات وهي: الانهيار، بيت الحمراء، هموم الزمن الفلاقي، زمن العشق والأخطار، الانفجار، خيرة والجبال)، صدرت عن دار الحكمة في إطار الجزائر عاصمة الثقافة العربية، سنة 2007.
9- عائلة من فخار، دار الغرب للنشر والتوزيع،ط1،  2008.
10- شعلة المايدة، دار طليطلة، سنة 2010.
11- انكسار، دار طليطلة، سنة 2010
في القصة:
12- مجموعة (السائق)، المؤسسة الوطنية للكتاب، ط1، 1983، 
وصدرت عن دار قرطبة ط2، 2009.
13- مجموعة (أسرار المدينة) المؤسسة الوطنية للكتاب، ط1، 1991.
14- الكراسي الشرسة (قصص)، منشورات مديرية الثقافة لولاية معسكر، 2009.
قصص للأطفال:
15- معطف القط مينوش، المؤسسة الوطنية للكتاب،ط1،  سنة 1990، دار قرطبة ط2، 2009.
16- مغامرات النملة كليحة، المؤسسة الوطنية للكتاب، ط1، سنة 1990، دار قرطبة، ط2، 2009.
17- وصية الشيخ مسعود، ط1، المؤسسة الوطنية للنشر والصحافة (إناب)، سنة 1992، ط2، دار الساحل، سنة 2009.
كتب في التاريخ والتراجم:
18- شهادة نقابي، دار الحكمة،  سنة 2005.
19 - سيدي الأزرق بلحاج رائد ثورة 1864م المندلعة بغيلزان، سنة 2005.
20  - أعلام من منطقة غليزان، مطبة هومة،  سنة 2006. 
21- شعراء الملحون بمنطقة غليزان (تراجم ونصوص)، مطبعة هومة، سنة 2008.
- أعلام من منطقة غليزان: ويشمل الكتب الثلاثة الآتية: سيدي الأزرق بلحاج رائد ثورة 1864، وأعلام التصوف والثقافة، شعراء الملحون بمنطقة غليزان، دار المعرفة، جزآن، 2009.
23- جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، دار قرطبة، سنة 2011.
24- مراكز التعليم العربي الحر في مدينة غليزان، دار قرطبة، سنة 2011.